فصل: الباب الثاني والعشرون : فيما أوله كاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


3036- الكِلاَبَ عَلَى البَقَرِ

يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة، يعني لا ضَرَر عليك فَخَلِّهم‏.‏

ونصب ‏"‏الكلاب ‏"‏ على معنى أرسل الكلاب‏.‏ ويقَال ‏"‏الكراب على البقر‏"‏ هذا من قولك‏:‏ كَرَبْتُ الأرضَ، إذا قلبتها للزراعة يضرب في تخلية المرء وصناعته

3037- كالثَّورِ يُضْرَبُ لمَّا عافَتِ البَقَرُ

عَافَ يَعَافُ عِيَافاً، إذا كره، كانت العرب إذا أوردوا البقرَ فلم تشرب لكَدَر الماء أو لأنه لا عَطَشَ بها ضربوا الثَّوْرَ ليقتحم البقرُ الماء، قَال نَهْشَل بن حَرِّيٍّ‏:‏

أَتُتْرَكُ دَارِمٌ وَبَنُو عَدِيِّ * وتَغْرَمُ عَامِرٌ وَهُمُ بَرَاءُ

كَذَاكَ الثَّوْرُ يُضْرَبُ بِالهَرَاوَى * إذَا مَا عَافَتِ البَقَرُ الظِّماءُ

وقَال أنس بن مُدْرِك‏:‏

إنِّي وَقَتْلِ سُلَيْكَاً ثُمَّ أعْقِلَهُ * كالثَّورِ يَضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ البَقَرَ

يعني أن سُليكاً كان يستحقَ القتلُ فلما قتلته طُولِبْتُ بدَمِهِ‏.‏

وقَال بعضهم‏:‏ الثور الطُّحْلُبُ، فإذا كَرِهَ البقرُ الماء ضُرِب ذلك الثورُ ونُحِّيَ عن وجه الماء فيشرب البقر‏.‏ يضرب في عقوبة الإنسان بذَنْب غيره

3038- كلُّ شَاةٍ بِرِجْلِهَا مُعَلَّقَةٌ

قَال ابن الكلبي‏:‏ أولُ مَنْ قَال ذلك وَكِيعُ بن سلمة بن زهير بن إياد، وكان وَلِيَ ‏[‏ص 143‏]‏ أمْرَ البيت بعد جُرْهُم، فبنى صَرْحاً بأسفل مكة عند سُوقَ الخَيَّاطين اليوم، وجعل فيه أمةً يُقَال لها حَزْورَة، وبها سميت حَزْوَرة مكة، وجعل في الصَّرح سُلَّما، فكان يَرْقَاهُ ويزعم أنه يناجي الله تعالى، وكان ينطقَ بكثير من الخبر، وكان علماء العرب يزعمون أنه صِدِّيقَ من الصِّديقين، وكان من قوله مُرْضِعَة أو فاطمة، ووادعة وقاصمة، والقطيعة والفجيعة، وصلة الرحم، وحسن الكلام، ومن كلامه‏:‏ زعَمَ رَبكم ليجزين بالخير ثواباً، وبالشر عقاباً، إن مَنْ في الأرض عَبيدٌ لمن في السماء، هلكت جرهم وربلت إياد ‏(‏ربلت إياد‏:‏ كثرت ونمت وزادت‏)‏

وكذلك الصلاح والفساد، فلما حضرته الوفاة جمع إياداً فَقَال له‏:‏ اسمعوا وصيتي، الكلم كلمتان، والأمر بعد البَيَان، من رَشَدَ فاتَبِعُوه، ومن غوَى فارفُضُوه، وكل شاة برجلها مُعَلَّقة، فأرسلها مَثَلاً، قَال‏:‏ ومات وكيع فنعى على الجبال، وفيه يقول بشير بن الحجير الإيادي‏:‏

ونَحْنُ إيَادُ عبادُ الإلهِ * وَرَهْط مُنَاجِيه في سُلَّمِ

وَنَحْنُ وُلاةُ حِجَابِ العَتِيق* زَمَانَ النُّخَاعَ على جُرْهُم

يُقَال‏:‏ إن الله سلط على جرهم داء يُقَال له النخاع، فهلك منهم ثمانون كهلاً في ليلة واحدة سوى الشبان، وفيهم قَال بعض العرب‏:‏

هَلَكتْ جُرْهُمُ الكِرَامُ فعَالاً * وَولاَةُ البَنيِّةِ الحُجَّابُ

نُخِعُوا لَيلَةً ثَمَانُونَ كَهْلاً * وشَبَاباُ كَفَى بهم من شَبَابِ

3039- كالخَرُوفِ أَيْنَما مَالَ اتَّقَى الأرضَ بِصَوَافٍ

يضرب لمن يجد مُعْتَمَداً كلما اعتمد

3040- كالْكَبْشِ يَحْمِلُ شَفْرَةً وَزِنَاداً

يضرب لمن يتعرَّض للهَلاكِ وأصله أن كسرى بن قُبَاذ مَلَّك عمرو بن هند الملكَ الحيرةَ وما يلي مُلكَ فارسٍ من أرض العرب، فكان شديد السلطان والبطش، وكانت العرب تسميه ‏"‏مُضَرِّطَ الحجارة‏"‏ فبلغ من ضبطه الناس وقهره لهم واقتداه في نفسه عليهم أن سَنَةً اشْتدَّت على الناس حتى بلغت بهم كلًّ مبلغ من الجهد والشدة، فعمد إلى كبش فَسمَّنه حتى إذا امتلأ سمناً علَّقَ في عنقه شَفْرة وزِناداً ثم سَرَّحه في الناس لينظر هل يجترئ أحد على ذبححه فلم يتعرض له أحد، حتَّى مرَّ ببني يَشْكر، ‏[‏ص 144‏]‏ فَقَال رجل منهم يُقَال له‏"‏ عِلْبَاء بن أرقَمَ اليَشْكَرِي‏"‏ ما أراني إلا آخذ هذا الكبش فآكله، فَلاَمهُ أصحابه، فأبى إلا ذِبْحه، فذكروا ذلك لشيخ له، فَقَال‏:‏ إنكَ لا تعدم الضار، ولكن تعدم النافع، فأرسلها مَثَلاً، وقَال قائل آخر منهم‏:‏ إنك كائن كقُدَار على إرم، فأرسلها مَثَلاً، ولما كثرت اللائمة قَال‏:‏ فإني أذبحُه ثم آتى الملك فواضع يدي في يَدِهِ ومُعْتَرِف له بذنبي، فإن عفَا عني فأهْلُ ذلك هو، وإن كانت منه عقوبة كانت بي ودونكم، فذبحه وأكله، ثم أتى الملك عمرو بن هند، فَقَال له‏:‏ أَبيتَ اللَّعنَ، وأسْعَدكَ إلهُكَ، ياخير الملوك إني أّذْنبْتُ ذنبا عظيما إليك، وعفوك أعظم منه، قَال‏:‏ وما ذنبك‏؟‏ قَال‏:‏ إنك بَلَوتَنا بكبش سَرَّحْتُه ونحن مَجْهُودون، فأكلْته، قَال‏:‏ أو فعلت‏؟‏ قَال نعَم، قَال‏:‏ إذن أقتلك، قَال‏:‏ مليك شَيءٍ حكمه، فأرسلها مَثَلاً، ثم أنشده قصيدةً في تلك الخطة، فخَلَّى عنه، فجعلت العرب ذلك الكبش مَثَلاً

3041- كَمُجِيِرِ أُمّ عَامِرٍ

كان من حديثه أن قوماً خَرَجُوا إلى الصيد في يوم حار، فإنهم لكَذَلك إذ عَرَضَتْ لهم أُمَّ عامرٍ، وهي الضبع، فطَرَدُوها وأتبعهم حتى ألجؤها إلى خِباه أعرابي، فاقتحمته، فخرج إليهم الأعرابي، وقَال‏:‏ ما شأنكم‏؟‏ قَالوا‏:‏ صَيْدُنا وطَريدتنا، فَقَال‏:‏ كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثَبَتَ قائمُ سيفي بيدي، قَال‏:‏ فرجَعُوا وتركوه، وقام إلى لِقْحَةٍ فحلَبَهَا وماء فقرب منها، فأقبلت تَلِغُ مرةً في هذا ومرة في هذا حتى عاشت واستراحت، فبينا الأعرابي نائم في جَوْف بيته إذ وّثَبَتْ عليه فبَقَرَتْ بطنه، وشربت دَمَه وتركته، فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بَقِيرٌ في بيته، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها، فَقَال‏:‏ صاحبتي والله، فأخذ قوسه وكنانته واتبعها، فلم يزل حتى أدركها فقتلها، وأنشأ يقول‏:‏

وَمَنْ يَصْنَعِ المَعْرُوفَ معْ غَيرِ أَهْلِهِ * يُلاَقَ الَّذي لاَقَى مُجِيرُ امِّ عَامِرِ

أدامَ لها حِينَ استَجَارَتْ بقُرْبِهِ * لها محْضَ ألبَانِ اللقَاحِ الدَّرَائِرِ

وَأَسْمَنَهَا حَتَّى إذَا مَا تَكَامَلَتْ * فَرَتْهُ بأنْيَابٍ لَهَا وَأظَافِرِ

فَقُلْ لِذِوِي المَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ * بَدَا يَصْنَعُ المَعرُوفَ فِي غَيْرِ شَاكِرِ

3042- كَرِهَتِ الخَنَازِيرُ الحَمِيمَ المُوغرَ

وأصله أن النصارى تَغْلِي الماء للخنازير ‏[‏ص 145‏]‏

فتلقيها فيه لتنضج، فذلك هو الإيغار، قَال أبو عبيد‏:‏ ومنه قول الشاعر‏:‏

وَلَقَدْ رَأَيتُ مَكَانَهُمْ فَكَرِهْتُهُمْ * كَكَرَاهَةِ الخِنزِيرِ للإيَغَارِ

قَال ابن دُرَيْد‏:‏ يغلي الماء للخنزير فيسمط وهو حي، قَال‏:‏ وهو فعل قوم

3043- كَلْبُ عَسٍّ خَيرٌ مِنْ كَلْبِ رَبْضٍ

ويروى ‏"‏خير من أسد رَبْض‏"‏ ويروى ‏"‏خير من أسد ندس‏"‏ أي خفى، وعَسّ معناه طَلَب‏.‏

3044- كذَلِكَ النُّجَارُ يَخْتَلِفُ

النَّجْر والنُّجَارُ‏:‏ الأصل، ومنه قولهم ‏"‏كلُّ نِجَارِ إبلٍ نُجَارُهَا‏"‏

يضرب مَثَلاً للمختلفين

وأصله أن ثعلبا اطلع في بئر، فإذا في أسفلها دَلْو، فركِبَ الدلو الأخَرى، فانحدرت به، وعلت الأخَرى، فشرب، وبقي في البئر، فجاءت الضبع فأشرفَتْ فَقَال لها الثعلب‏:‏ انزلي فاشربي، فقعدت في الدلو، فانحدرت بها وارتفعت الأخرى بالثعلب، فلما رأته مُصْعِداً قَالت له‏:‏ أين تذهب‏؟‏ قَال‏:‏ كذلك النُّجِار يختلف، فذهبت مَثَلاً، وروى أبو محمد الديمري ‏"‏كذاك التِّجَار تَخْتَلِفُ‏"‏ جمع تاجر بالتاء

3045- كالأرقَمِ إنْ يُقْتَلُ يَنْقِمْ، وَإنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ

كانوا في الجاهلية يزعمون أن الجن تطلبُ بثأر الجانِّ، فربما مات قاتله، وربما أصابه خَبل، وفي حديث عمر رضي الله عنه، أن رجلاً كسر منه عَظم فأتى عمر يطلب القَوَدَ فأبى أن يُقيده، فَقَال الرجل‏:‏ هو كالأرقم إن يُقْتَل ينقم وإن يترك يلقم، فَقَال عمر رضي الله عنه‏:‏ هو كذلك، يعني نفسه

3046- كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ

أصلُ هذا المثل على ما حَكَتْه العرب على لسان الحية أن أخوين كانا في إبل لهما فأجْدَبَتْ بلادهما، وكان بالقرب منهما وادٍ خَصيبٌ وفيه حية تَحْمِيه من كل أحد، فَقَال أحدهما للآخر‏:‏ يا فلان، لو أنى أتيتُ هذا الوادي المُكْلِئ فرَعَيْتُ فيه إبلي وأصلحتها فَقَال له أخوه‏:‏ إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحداً لا يهبط ذلك الوادى إلا أهلكته، قَال‏:‏ فوالله لأفعَلَنَّ، فهبط الوادى ورعى به إبله زماناً، ثم إن الحية نَهَشَتْه فقتلته، فَقَال أخوه‏:‏ والله ما في الحياة بعد أخي خير، فلأطلبَنَّ الحية ولأقتلنها أو لأتبعنَّ أخي، فهبط ذلك الوادى وطلب ‏[‏ص 146‏]‏الحية ليقتلها، فَقَالت الحية له‏:‏ ألست تَرَى أنِّى قتلت أخاك‏؟‏ فهل لك في الصلح فأدعَكَ بهذا الوادى تكون فيه وأعْطِيك كل يوم ديناراً ما بقيت‏؟‏ قال أو فاعله أنت‏؟‏ قَالت‏:‏ نعم، قَال‏:‏ إني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيقَ لا يضرها، وجعلت تُعْطِيه كلَّ يوم ديناراً، فكثر مالُه حتى صار من أحسن الناس حالا، ثم إنه تَذَكَّر أخاه فَقَال‏:‏ كيف ينفعني العيشُ وأنا أنظر إلى قاتل أخي‏؟‏ فعَمِدَ إلى فأسٍ فأخذها ثم قَعَدَ لها فمرَّت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجُحْرَ، ووقعت الفأس بالجبل فوقَ جُحْرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فَعَلَ قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شَرَّها وندم، فَقَال لها‏:‏ هل لك في أن نَتَوَاثقَ ونَعُودَ إلى ما كنا عليه‏؟‏ فَقَالت‏:‏ كيف أعاودك وهذا أثَرُ فأسِك‏؟‏

يضرب لمن لا يَفِي بالعهد

وهذا من مشاهير أمثال العرب، قَال نابغة بن ذبيان‏:‏

وإنِّي لألقَى من ذَوىِّ الغَيِّ مِنْهُمُ * وما أصْبَحَتْ تَشْكُو مِنَ الشَّجْوِ سَاهِرَهْ

كما لَقِيَتْ ذاتُ الصَّفَا مِنْ حَلِفَهَا * وكانَتْ تُرِيهِ المَالَ غِبّاً وَظَاهِرَهْ

فَلَمَّا رأى أنْ ثَمَّرَ الله مَالَهُ * وَأثَّلَ مَوْجُوداً وَسَدَّ مَفَاقِرَهْ

أكبَّ عَلَى فأسٍ يُحِدُّ غُرَابَهَا * مُذَكَّرَةٍ مِنَ المَعاوِلِ بَاتِرَه

فَقَامَ لَهَا مَنْ فَوْقَ جُحْرٍ مُشَيَّدٍ * لِيَقْتُلَهَا أوْ يُخْطِئ الكَفُّ بَادِرَهْ

فَلَمَّا وَقَاهَا الله ضَرْبَةَ فأسِهِ * وَلِلشَّرِّ عَيْنٌ لا تُغَمِّضُ نَاظِرَهْ

فَقَال‏:‏ تَعَالَى نَجْعَلِ الله بَيْنَنَا * عَلَى مَالَنَا أوْ تُنْجِزِى ليَ آخِرَهُ

فَقَالت‏:‏ يَمِينُ الله أفعَلُ؛ إننِي * رَأَيْتُكَ مَشْؤماً يمينُكَ فَاجِرَهْ

أبَى لي قبر لا يزال مُقَابِلِى * وَضَرْبَةُ فأسٍ فَوْقَ رَأسِيَ فَاقِرَهْ

3047- كلُّ شَيء يُحِبُّ وَلَدَهُ حتَّى الحُبَارَى

إنما خص الحُبَارَى من جميع الحيوان لأنه يُضْرَبُ به المثل في المُوقِ

‏(‏الموق - بضم الميم - الحمق في غباوة‏.‏‏)‏

يقول‏:‏ هي على مُوقِها تُحِبُّ ولَدَها وتعلمه الطيران

3048- كأنَّ عَلَى رُؤُسِهِمُ الطَّيْرُ

يضرب للساكن الوادع‏.‏

وفي صفة مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا تكلَّمَ أطْرَقَ جُلَسَاؤُه كأنما على رؤسهم الطير‏"‏ يريد أنهم يسكنون ولا يتكلون، والطير لا تسقط إلا على ساكن‏.‏ وأما قولهم‏:‏ ‏[‏ص 147‏]‏

3049- كأنَّهُمْ كانوا غُرَاباً وَاقِعاً

فلأن الغراب وَقَعَ لا يَلْبَثُ أن يطير‏.‏

يضرب فيما ينقضي سريعا

3050- كلَّفْتَنِي بَيْضَ السَّمامِ

هي جمع سَمَامة، ضَرْب من الطير مثل الخطاف لا يُقْدَر على بيضه، ويروى ‏"‏بيض السماسم‏"‏ وهي جمع السمسمة، وهي النملة الحمراء

3051- كلَّفْتَنِي مُخَّ البَعُوضِ

يضرب لمن يُكَلِّفُكَ الأمورَ الشاقة

3052- كُسَيْرٌ وَعُوَيْرٌ وكلُّ غَيْرٍ خَيْرٌ

قَال المفضل‏:‏ أولُ من قَال ذلك أمَامة بنت نُشْبَة ‏[‏بن غيْظ‏]‏ بن مرة، وكان تَزَوَّجَهَا رجل من غطفان أعور يُقَال له خلف بن رواحة، فمكثت عنده زمانا حتى ولدت له خمسة، ثم نَشَزَت عليه ولم تصبر معه، فطلقها، ثم إن أباها وأخاها خَرَجَا في سفر لهما، فلقيهما رجل من بني سُلَيم يُقَال له حارثة بن مرة، فخطب أمامة، وأحسن العطية، فزوَّجَاها منه، وكان أعرجَ مكسورَ الفخذ، فلما دخلت عليه رأته مَحْطُوم الفخذ فَقَالت‏:‏ كُسَيرٌ وعُوَير وكل غير خير فأرسلتها مَثَلاً‏.‏

يضرب في الشَيء يُكْرَه ويُذَم من وجهين لا خير فيه البتة، قَال الشاعر

أَيَدْخُلُ مَنْ يَشَاء بغير إذنٍ * وكُلُّهُمُ كُسَيْرٌ أوْ عُوَيْرُ

وأبْقى مِنْ وَرَاءِ البيتِ حتى * كأني خُصْيَة وَسِوَايَ أيْرُ

قلت‏:‏ كسير تصغير كَسِير، يُقَال‏:‏ شَيء كَسِير، أي مكسور، وحقه كُسَيِّر مُشَدَّدَ الياء، إلا أنه خفف لازدواج عُويْر وهو تصغير أعْوَرَ مرخَّمَاً، أرادت أن أحد زوجيها مكسور الفخذ حارثة بن مرة، والآخَر أعْوَرَ خلف، وكسيرٌ مرفوع على تقدير زَوْجَاى يكسيرٌ وعويرٌ‏.‏

3053- كانَ مِثْلَ الذُّبَحَةِ عَلَى النَّحْرِ

الذُّبَحَة‏:‏ وجَع يأخذ الحلق‏.‏

يضرب لمن كنتَ تَخَاله صديقا، وكان يظهر مودة، فلما تبين غشه تشكوه إليه‏:‏ كان مثل الذبحة على النحر‏.‏

يعني كان كهذا الداء الذي لا يفارق صاحبه في الظاهر، ويؤذيه في الباطن‏.‏

3054- كانَ ذلِكَ زَمَنَ الفِطَحْلِ

قَالوا‏:‏ هو زمن لم يُخْلق الناس، قَال الجرمى‏:‏ سألت أبا عبيدة عنه، فَقَال‏:‏ ‏[‏ص 148‏]‏

الأعراب تقول ذلك زمن كانت الحجارة فيه رَطْبة، وأنشد للعجاح‏:‏

وَقَدْ أَتَانَا زَمَنَ الفِطَحْلِ * وَالصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كَطِينِ الوَحْلِ

قلت‏:‏ روى غيرُه لرؤبة‏:‏

لو أنَّنِي أوتيتُ عِلْمَ الحَكْل‏(‏1‏)‏ * عِلْمَ سُلَيْمَانَ كَلاَمَ النَّمْلِ

‏(‏1‏)‏‏(‏الحكل‏:‏ ملا يسمع له صوت‏)‏

أوْ أنني عُمَّرْتُ عُمْرَ الحِسْلِ‏(‏2‏)‏* أو عُمْرَ نُوحٍ زَمَنَ الفِطَحْل

‏(‏2‏)‏‏(‏الحسل‏:‏ فرخ الضب حين يخرج من بيضته‏.‏‏)‏

وَالصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كَطِينِ الوَحْلِ * كُنْتُ رَهِينَ هَرَمٍ أوْ قَتْلِ

يضرب في شَيء قَدِمَ عهده‏.‏

3055- كَأنما ألقَمَهُ الحَجَرَ

يضرب لمن تكلَّم فأجيب بِمُسْكِتة‏.‏

3056- كِلاَ جَانِبَيْ هَرْشى لَهُنَّ طَرِيقُ

يضرب فيما سَهُل إليه الطريقَ من وجهين‏.‏

وهَرْشَي‏:‏ ثَنِيَّة في طريق مكة شَرَّفها الله تعالى قريبة من الجُحْفة يرى منها البحر ولها طريقان، فكل مِنْ سلكها كان مصيبا، قَال الشاعر‏:‏

خُذِي أنْفَ هَرْشَي أوقَفَاهَا فإنه * كِلاَ جَانِبَي هَرْشَي لَهُنَّ طَرِيقُ

‏"‏لهن‏"‏ أي للإبل‏.‏

3057- كانَ ذَلِكَ كَسَلِّ أُمْصُوخَةٍ

قَالوا‏:‏ هي شَيء يستلُّ من الثُّمام فيخرج أبيضَ، كأنه قضيب دقيقَ كما تُسَلُّ البردية‏.‏

3058- كأنَّهُ النَّكْعَةُ حُمْرَةً

النَّكْعة‏:‏ ثمرت الطرثوث، قَال الخليل‏:‏ الطرثوث نبات كالقطن مستطيل دقيق يَضْرِبُ إلى الحمرة، يبس، وهو دباغ للمعدة منه مر ومنه حلو، يجعل في الأودية‏.‏

3059- كانُوا مُخِلِّينَ فَلاَقَوْا حَمْضاً

وذلك أن الإبل تكون في الخلَّة، وهو مَرْتَع حُلْو فتأجِمُه‏(‏1‏)‏ ‏(‏أجم فلان الطعام - بكسر الجيم - كرهه بسبب المداومة عليه، فهو آجم‏.‏‏)‏

فتنازع إلى الحَمْض، فإذا رتَعَتْ فيه أعْطَشَها حتى تَدَع المرتع من لهبان الظمأ‏.‏

يضرب لمن غمط السلامة فتعرض لما فيه شماتة الأعداء‏.‏

3060- كَثُرَ الحَلَبَةُ وقَلَّ الرِّعَاءُ

يضرب للوُلاَة الذين يَحْتلبون ولا يبالون ضَيَاعَ الرعية‏.‏ ‏[‏ص 149‏]‏

3061- كَمَنْ الغَيْثِ عَلي العَرْفَجِة

وذلك أنها سريعة الانتفاع بالغيث، فإذا أصابها وهي يابسة اخْضَرَّت‏.‏

قَال أبو يزيد‏:‏ يُقَال ذلك لمن أحسَنْتَ إليه فَقَال لك‏:‏ أتمنُّ على‏؟‏ فتقول أنت‏:‏ نَعَمْ، كمنِّ الغيث على العَرْفجة، تعني أن أثر نعمتي عليك ظاهر كظهور مَنَّ الغيث على العرفجة، وإن أنت جَحَدْتها وكفرتها‏.‏

3062- كالقَابضَ عَلي الماءِ

قَال الشاعر‏:‏

فأصْبَحْتُ مِنْ لَيْلِى الغَدَاةَ كَقَابِضٍ * عَلَى المَاءِ لاَ يَدْرِي بِمَا هُوَ قَابِضُ

3063- كأنَّهَا نَارُ الحُبَاحِبِ

قَالوا‏:‏ الحُبَاحِبُ طائرٌ يطير في الظلام كَقَدْر الذباب، له جناح يحمرُّ، يُرَى في الظلمة كشرارة النار، يُقَال‏:‏ نار الحُبَاحِبِ ونار أبي الحُبَاحب، قَال القطاميُّ‏:‏

ألاَ إنَّمَا نيِرَانُ قَيْسٍ إذا شَتَوْا * لِطَارِقِ لَيْلٍ مِثْلُ نَارِ الحُبَاحِبِ

قَال الأَصمَعي‏:‏ هو رجل كان في الجاهلية وقد بلغ من بخله أنه كان إذا أوقَدَ السراج فأراد إنسان أن يأخذ منه أطْفَأَه، فضُرِب به المثلُ في البخل‏.‏

3064- كالمُسْتَغِيثِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّار

يضرب في الخلتين من الإساءة تجمعان على الرجل‏(‏1‏)‏ ‏(‏لا يفيد هذا الكلام هذا المعنى، بل يفيد أنه يضرب لمن هرب من خلة مكروهة فوقع في أِشد منها، وقَال الشاعر‏:‏

المستجير بعمرو عند كربته * كالمستجير من الرمضاء بالنار‏.‏‏)‏

3065- كالقَابِسِ العَجْلاَنِ

القبس‏:‏ أخذ النار‏.‏ يضرب لمن عجل في طلب حاجته‏.‏

3066- كالمُسْتَتِرِ بالغَرَضِ

يقول الرجل يتهدَّده الرجلُ ويتوعده، فيجيبه‏:‏ أنا إذن جَبَان كالمستتر بالغَرَض، أي أصْحَرُ لك ولا أستتر؛ لأن المستتر بالغرض يُصِيبه السهمُ فكأنه لم يستتر‏.‏

3067- كالمُتَمرِّغِ فِي دَمِ القَتِيلِ

يضرب لمن يدنو من الشر ويتعرض لما يضره وهو عنه بِمَعْزَل‏.‏

3068- كالحِوَدِ عَنِ الزُّبْيَةِ

وهي حُفْرَة يحفرها الصائد للصيد ويغطيها، فيفطن الصيد لها فيحيد عنها‏.‏

يضرب للرجل يَحيِدُ عما يخاف عاقبته‏.‏ ‏[‏ص 150‏]‏

3069- كالسَّاقِطِ بَيْنَ الفِرَاشَيْنِ

يضرب لمن يتردَّد في أمرين، وليس هو في واحد منهما‏.‏

3070- كَمَشَ ذَلاذِلَهُ

يُقَال لما استرخى من الثوب‏:‏ ذَلَذِل وَذُلَذِلٌ وذُلْذُل وذِلْذِل‏.‏

يضرب لمن تَشَمَّر واجتهد في أمره‏.‏

3071- كَلاَبِسِ ثَوْبِىْ زُورٍ

قَال الأَصمَعي‏:‏ إنه الرجل يلبس ثيابَ أهلِ الزهد، يريد بذلك الناس، ويظهر من التَّخَشُّع أكثَرَ مما في قلبه، وفي الحديث ‏"‏المتشِّبع بما لا يملك كلابس ثَوْبِيْ زُورٍ‏"‏ وهو الرجل يتكثَّر بما ليس عنده، كالرجل يرى أنه شَبِعَان وليس كذلك‏.‏

3072- كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلِمَ الأدِيمُ

يضرب للأمر الذي قد انتهى فساده‏.‏ وذلك أن الجلد إذا حَلِمَ فليس بعده إصلاح‏.‏

وهذا المثل يُرْوَى عن الوليد بن عُتْبة أنه كتب إلى معاوية‏:‏

فإنَّكَ وَالكِتَابَ إلَى عَلِيٍّ * كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلِمَ الأديمُ

وقَال المفضل‏:‏ إن المثل لخالد بن معاوية أحَدِ بني عبد شَمْس بن سعد حيث قَال‏:‏

قَدْ عَلِمَتْ أحْسَابَنَا تَمِيْمُ * في الحرب حِينَ حَلِمَ الأدِيْمُ

3073- كأنما أَفْرَغَ عَلَيْهِ ذَنُوباً

وذلك إذا كلمه بكلام يُسْكته به ويُخْجِله‏.‏

3074- كلَّفْتُ إليكَ عَلَقَ القِرْبَةَ

ويروى ‏"‏عَرَقَ القِرْبَةَ‏"‏ أي كلفت إليك أمراً صَعْبا شديدا‏.‏

قَال الأَصمَعي‏:‏ لا أدري ما أصله، وقَال غيره، العَرَقَ إنما هو للرجل لا للقربة، قَال‏:‏ وأصله أن القِرَبَ إنما تحملها الإماء الزَّوَافِرَ ومَنْ لا معين له، وربما افتقر الرجل الكريم إلى حَمْلها بنفسه، فيعرقَ لما يَلْحقه من المشقة والحياء من الناس‏.‏

قلت‏:‏ تقدير المثل كلفت نفسي في الوصل إليك عَرَقَ القربة، أي عَرَقاً يحصل من حمل القربة، والأصل الراء، واللام بدل منه‏.‏

3075- كُلُّ أداةِ الخُبْزِ عِنْدِي غَيْرَهُ

أصله أن رجلا استضافه قومٌ، فلما قَعَدُوا ألقى نِطَعاً، ووضع عليه رَحَى فَسَوَّى قُطْبها وأطبقَهَا، فأعجب القوم حضور آلته، ثم أخَذَ هادي الرحَى فجعل يُدِيرها بغير شَيء ‏[‏ص 151‏]‏ فَقَال له القوم‏:‏ ما تصنع‏؟‏ فَقَال‏:‏ كل أداة الخبز عندي غيره‏.‏

يضرب مَثَلاً عند إعواز الشَيء‏.‏

3076- أكُلُّ شِوَائِكُمْ هَذا جُوفَانُ

أصله أن رجلا من بني فزارة ورجلا من بني عَبْس ورجلا من بني عبد الله بن غَطَفَان صادروا عَيْرَاً، فأوقدوا ناراً، وخرج الفَزَارى لحاجة، فاجتمع رأى العَبْدِى والعَبِسِي على أن يقطعا أيْرَ الحمار ثم دسَّاه بين الشِّوَاء، فلما رجَع الفَزَاري جعل العبدى يحرك الجمر بالمِسْعَر ويستخرج القِطْعَة الطبية فيأكلها ويُطْعمها صاحبه، وإذا وقع في يده شَيء من الجُوفَان - وهو ذكر الحمار - دفعه إلى الفزَاري، فجعل الفَزَاري كلما مَضَغَ منه شيئا امتدَّ في يده، وجعل ينظر فيه فيرى فيه ثقباً، فيقول‏:‏ ناولْني غَيرَها، فيناوله مثلَها فلما فعل ذلك مرارا قَال‏:‏ أكُلُّ شوائكم هذا جُوفان، فأرسلها مَثَلاً‏.‏

يضرب في تساوي الشَيء في الشَّرَارة‏.‏

3077- كَسُؤْر العَبْدِ مِنْ لَحْمِ الحِوَارِ

يضرب للشَيء الذي لا يُدْرَك منه شَيء وأصله أن عبدا نحر حُوَارا، فأكله كله، ولم يُسْئِرْ منه لمولاه شيئاً، فضرب به المثل لما يفقد البتة‏.‏

3078- كِفْتٌ إلَى وئِيَّةٍ

الكِفْتُ‏:‏ القدر الصغيرة، والوَئِيَّة‏:‏ الكبيرة، والكفت من الكفت وهو الضم، سمي به لأنه يكفت ما يلقى فيه، والوَئِيَّة من الوأى وهو الضخم، يُقَال‏:‏ فرس وأى، إذا كان ضخماً، والانثى وَآة‏.‏

يضرب للرجل يحملك البليةَ ثم يَزِيدك إليها أخرى صغيرة‏.‏

3079- كِلاَهُمَا وَتَمْرَاً

ويروى‏:‏ كليهما‏"‏

أولُ من قَال ذلك عمرو بن حُمْرَان الجَعْدِي، وكان حمرتن رجلا لَسِنَاً ماردا وإنه خَطَب صَدُوفَ، وهي امرَأة كانت تؤيد الكلام وتشجع في المنطق، وكانت ذاتَ مالٍ كثيرٍ، وقد أتاها قوم يخطبونها فردَّتهم، وكانت تتعنَّتُ خُطَّابها في المسألة، وتقول‏:‏ لاأتزوج إلا مَنْ يعلم ما أسأله عنه ويجيبني بكلام على حده لا يَعْدُوه، فلما انتهى إليهَا حُمْرَان قام قائماً لا يجلس، وكان لا يأتيها خاطبٌ إلا جلس قبل إذنها، فَقَالت‏:‏ ما يمنعك من الجلوس‏؟‏ قَال‏:‏ حتى يُؤْذَنَ لي، قَالت‏:‏ وهل عليك أمير‏؟‏ قَال رَبُّ المنزِل أحقُ بفِنَائه، ورب الماء أحَقُ بسِقَائِه، وكل له ما في وعائه، فَقَالت‏:‏ اجلس، فجلس، قَالت له‏:‏ ما أردت‏؟‏ ‏[‏ص 152‏]‏ قَال‏:‏ حاجة، ولم آتك لحاجة، قَالت‏:‏ تُسِرُّها أم تعلنها‏؟‏ قَال‏:‏ تُسَرُّ وتُعْلَن، قَالت‏:‏ فما حاجتك‏؟‏ قَال قضاؤها هَيَّن، وأمرها بين، وأنت بها أخْبَر، وبنُجْحِها أبصر، قَالت‏:‏ فأخبرني بها، قَال‏:‏ قد عَرَّضْتُ وإن شِئت بينتُ، قَالت‏:‏ مَنْ أنت‏؟‏ قَال‏:‏ أنا بَشَر، ولدت صغيراً، ونشأت كبيراً، ورأيت كثيراً، قَالت‏:‏ فما اسمك‏؟‏ قَال‏:‏ مَنْ شاء أحْدَثَ اسما، وقَال ظُلْما، ولم يكن الاسم عليه حتَمْا، قَالت‏:‏ فَمَنْ أبوك‏؟‏ قَال‏:‏ والدِي الذي وَلَدني، ووالده جَدِّي، فلم يعش بَعْدِي، قَالت‏:‏ فما مالُك‏؟‏ قَال‏:‏ بعضُه وَرِثته، وأكثره اكتسبته، قَالت‏:‏ فمن أنت‏؟‏ قَال‏:‏ من بشر كثير عدده، معروف ولده، قليل صعده، يفنيه أبده، قَالت‏:‏ ماوَرَّثَك أبوك عن أوليه‏؟‏ قَال‏:‏ حسن الهمم، قَالت‏:‏ فأين تنزل‏؟‏ قَال‏:‏ على بساط واسع، في بلدٍ شاسع، قريبُه بعيد، وبعيده قريب، قَالت‏:‏ فمن قومك‏؟‏ قَال‏:‏ الذين أنتمي إليهم، وأجني عليهم، وولدت لديهم، قَالت‏:‏ فهل لك امرَأة‏؟‏ قَال‏:‏ لو كان لي لم أطلب غيرها، ولم أضَيِّعْ خَيْرَها، قَالت‏:‏ كأنك ليست لك حاجة، قَال‏:‏ لو لم تكن لي حاجة لم أُنِخْ ببابك، ولم أتَعَرضْ لجوابك، وأتعلق بأسبابك، قَالت‏:‏ إنك لحمران بن الأقرع الجَعْدي، قَال‏:‏ إن ذلك ليقَال، فأنكحته نفسها، وفَوَّضَتْ إليه أمرها

ثم إنها ولدت له غلاما فسماه عمرا، فنشأ ماردا مُفَوَّها، فلما أدركَ جَعَله أبوه راعياً يرعى له الإبل، فبينما هو يوما إذ رُفِعَ إليه رجل قد أَضَرَّ به العطشُ والسغوب، وعمرو قاعد، وبين يديه زُبْد تمر وتامك‏(‏1‏)‏‏(‏التامك‏:‏ السنام‏)‏، فدنا منه الرجل فقال‏:‏ أطعمنى من هذا الزبد والتامك‏(‏1‏)‏، فَقَال عمرو‏:‏ نعم، كلاهما وتمراً، فأطعم الرجل حتى انتهى، وسقَاه لبنا حتى رَوِي، وأقام عنده أياماً، فذهبت كلمته مَثَلاً‏.‏ ورفع ‏"‏كلاهما‏"‏ أى لك كلامهما، ونصب تمراً على معنى‏:‏ أزيدك تمراً، ومن روى ‏"‏كليهما‏"‏ فإنما نصبه على معنى‏:‏ أطعمك كليهما وتمراً، وقَال قوم‏:‏ مَنْ رفع حكى أن الرجل قَال‏:‏ أنلني مما بين يديك، فَقَال عمرو‏:‏ أيما أحبُّ إليك زُبْد أم سَنَام‏؟‏ فَقَال الرجل‏:‏ كلاهما وتمراً، أى مطلوبى كلاهما وأزِيدُ معهما تمراً، أو وزدني تمراً‏.‏

3080- كَمُسْتَبْضِعِ التَّمْر إلى هَجَرَ

قَال أبو عبيد‏:‏ هذا من الأمثال المبتذلة ومن قديمها‏.‏

وذلك أن هَجَرَ معدنُ التمر، والمستبضع إليه مخطئ، ويقَال أيضاً‏:‏ كمستبضع التمر إلى خيبر، قَال النابغة الجعدى‏:‏ ‏[‏ص 153‏]‏

وإنَّ امرأ أهْدَى إلَيْكَ قَصَيْدةً * كَمُسْتَبْضِع تَمْرَاً إلَى أرضِ خَيْبَرَا

3081- كلُّ خَاطِبٍ عَلى لِسَانِهِ تَمْرَةٌ

يضرب للذي يلين كلامه إذا طاب حاجةً

3082- كلُّ النِّدَاءِ إذا نَادَيْتُ يَخْذُلُني إلا ندَائي إذا نَادَيْتُ يَا مَالِي

هذا من قول أحَيْحَةَ، وبعده‏:‏

اسْتَغن أوْ مُتْ ولا يَغْرُرْكَ ذو نَسَبٍ * مَنَ ابنِ عَمٍّ ولا عَمٍّ ولاَ خَالِ

إنِّي مُقِيمٌ عَلَى الزَّوْرَاءِ أعْمُرُهَا * إنَّ الحبِيْبَ إلى الإخْوَانِ ذو المَالِ

3083- كَسفْاً وإمْسَاكا

يُقَال ‏"‏وَجْه كَاسف‏"‏ أي عابس‏.‏

يضرب للبخيل العَبُوس‏.‏ أي أتجمع كَسْفَاً وإمسَاكاً، ويجوز أن ينصبا على المصدر، أي أتَكْسفُ الوَجْهَ كَسْفا وتُمسِكُ المَالَ إمْسَاكاً‏.‏

3084- كُلَّ الطَّعَامِ تَشْتَهى رَبيعَه الخُرْس وَالإعْذَار والنقِيعَةْ ‏(‏1‏)‏

‏(‏الخرس - كقفل - طعام الولادة، وإعذار‏:‏ طعام الختان، والنقيعة - كسفينة - طعام القادم من سفر‏.‏‏)‏

يضرب لمن عُرِفَ بالرَّغَبِ‏.‏

3085- أكْثِرْ مِنَ الصَّدِيقِ فإنك لي العدُوِّ قادِر

أول من قال هذا - فيما ذكر الكلبي - أبْجَرُ بن جابر العِجْلِي، وكان من خبر ذلك أن حجاز بن أبجر كان نصرانياً، فرغب في الإسلام، فأتى أباه فَقَال‏:‏ يا أبَتِ إني أرى قوماً قد دخلوا في هذا الدين ليس لهم مثل قدمى، ولا مثلُ آبائي، فشَرُفُوا، فأحبُّ أن تأذن لي فيه، فَقَال‏:‏ يابني إذ أزْمَعْتَ عَلَى هذا فلا تَعْجَلْ حتى أقدم معك على عمر فأوصيه بك، وإن كُنتَ لابد فاعلا فخُذْ مني ما أقول لك، وإياك وأن تكون لك همة دون الغاية القصْوَى، وإياك والسَّامَةَ فإنك إن سَئِمْتَ قذفَتْكَ الرجالُ خلف أعقابها، وإذا دَخَلْتَ مصرا فأكثر من الصديق فإنك على العدو قادر، وإذا حضرتَ بابَ السلطان فلا تنازعَنَّ بوابه على بابه، فإن أيْسَرَ ما يلقاك منه أن يعلقك اسما يسبك الناس به، وإذا وصلت إلى أميرك فَبَوِّئ لنفسك منزلا يجمل بك، وإياك أن تجلس مجلسا يقصر بك، وإن أنْتَ جالستَ أميرك فلا تجالسه بخلاف هَوَاه فإنك إن فعلت ذلك لم آمن عليك - وإن لم تجعل عقوبتك - أن ينفر قلبه عنك؛ فلا يزال منك مُنقبضا، وإياك والخطبِ ‏[‏ص 154‏]‏ فإنها مشوار كَثيرُ العِثَار، ولا تكن حلواً فتزدرد، ولامرا فتلفظ، واعلم أنّ أمثل القوم تقيَّة الصابر عند نزول الحقائق الذابُّ عن الحرم‏.‏

3086- كمَا خَلَتْ قْدْرُ بَنِي سَدُوسِ

هذا مثل قَدِيم، وقَدِرُ بنى سَدُوس كانت قدراً عاديَّة عظيمة تأخذ جَزُورَيْن، وكان الطم بن عياش السدوسي سيدُ بني سدوس يطعم فيها حتى هلك الطم، ولم يكن له في قومه خَلَفٌ، ولا أحد يطعم في تلك القدر، فخَلَتْ قدْرُهَا طويلاً، وإن رجلاً من بني عامر يُقَال له ملهاب بن شهاب مَرَّ بهم ليلةً فلم ينزل ولم يُقْرَّ، فلما ارتحل فر مُغَاضِباً وهو يرتجز ويقول‏:‏

يَا صَاحِ رَحِّلْ ضَامِرَات العِيْسِ * وَابْك على الطمِّ وحَبْرِ القُوسِ

فقدْ خَلَتْ قِدْرُ بَنِي سَدُوسِ * وَضَنَّ فِيْهَا بِقِرىً خَسِيسِ

وَسَادَهُمْ أنْكَسُ ذُو تُيُوسِ * قَبَّحَهُ المَلِيْكُ مِنْ رَئِيْسِ

لَيْسَ بِمَحْمُودٍ وَلاَ مَرْغُوْسِ * فَمَا تُبًلِي كُنْتَ فِي السدُوسِ

أوكُنْتَ فِي قَوْمٍ مِنَ المَجُوسِ * أو في فلاً قَفْرٍ مِنَ الأنِيْسِ

ثم إنه رَجِعَ إلى قومه، فسألوه عن بني سَدُوسِ وقِدْرِهم، فحدثهم بأمرها، فصار مَثَلاً لكل ما أتى عليه الدهر وتغير عما عُهد عليه‏.‏

3087- كُلُّ امرِئٍ فِيهِ ما يُرْمَى بِهِ

هذا مثل قولهم ‏"‏أيُّ الرِّجَالِ المهذَّبُ‏"‏

3088- كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أهلْهِ

ويروى ‏"‏في رحله‏"‏ أي يَفْجَؤُه مالا يتوقعه

3089- كَلُّ يَجُرُّ النَّارَ إلَى قُرْصِهِ

أي كل يريد الخير إلى نفسه‏.‏

3090- كَلُّ حِرْبَاءٍ إذا أُكْرِهَ صَلَّ

الحرباء‏:‏ واحد الحَرابِيّ، وهي مسامير الدروع، وصَلَّ يَصِلُّ صَليلا، إذا صوت‏.‏

يضرب لمن يُؤْذّى فيشكو، يعني من اشتكى بكى‏.‏